لا أُخفيكم سرًا، عندما بدأت رواية "صالون غريب" تنتشر بين صانعي المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي، تسلل إليّ قلق خفيّ.
كنت أتساءل:
هل كل هذا الاحتفاء نابع من جودة حقيقية؟ أم أن الأمر لا يتعدى كونه ضجة ترويجية أحسن صانعوها إثارتها؟
ولا تفهموني خطأ؛ ليست لديّ أي مشكلة مع الترويج للروايات، بل على العكس، ادعمه تمامًا طالما كان نزيهًا وصادقًا مع القارئ.
ولأنني لا أحب إطلاق الأحكام دون تجربة، قررت أن أقرأ الرواية بنفسي، وأحكم من واقع التجربة، لا من ضجيج توصيات صُناع المحتوى.
الشخصية المحورية: فتحي.. بطل من الحياة اليومية
الرواية تبدأ بشخصية فتحي، مهندس اتصالات يعيش حياة مزدحمة بالضغوط بين عمل مرهق يُنهك جسده وأعصابه، وحمًى لا يتوانى عن تحقيره والتقليل من شأنه — تحديدًا لأنه لا يراه "كفؤًا لابنته" — فيجد نفسه في دوامة يومية مستمرة.
هذه البداية واقعية جدًا، وتخلق نوعًا من الارتباط الفوري بين القارئ وفتحي، خاصةً مع تعليقاته الساخرة، والطريقة التي ينظر بها للعالم بعين أنهكه الإحباط ولكن لم تُفقده حسه الساخر.
الطريق.. حيث تبدأ الغرابة
يُجبر فتحي على قطع طريق إلى عمله "سبع مرات"، رغم التحذيرات التي سمعها من العم "تؤ"، لكنه كأي شخص مشغول ومثقل بالمشاكل، يمررها دون أن يعيرها انتباهًا حقيقيًا.
ومن هنا تظهر أولى ملامح "الغرابة" في الرواية، حين يجد نفسه فجأة أمام صالون حلاقة مهجور المظهر من الخارج، ولكن حيّ جدًا من الداخل، يديره رجل غامض يُدعى "غريب".
غريب يعرض عليه صفقة؛ أن يستمع إلى سبع حكايات: كل حكاية أعجب، وأبشع، وأقرب للرعب من السابقة.. والرعب بحق لا يكمن في الاستماع بل ما يحدث بعده!
هل سيسمع فتحي فعلًا سبع حكايات؟ أم أن هناك سرًا ما وراء العدد؟
ولماذا بدأ "غريب" من الحكاية الثانية؟
السؤال يُزرع بهدوء في ذهن القارئ منذ البداية، وتتكرر الإشارات الغامضة، ما يجعل الرواية تأخذ طابع "اللعبة النفسية" أكثر مما هي مجرد سلسلة من القصص.
القصص السبع.. رحلة في عوالم مظلمة
كل حكاية يرويها غريب تمثل عالمًا مختلفًا:
• بعضها مستوحى من الفلكلور الشعبي المصري، مثل قصة "يا شمس يا شموسة"، والتي يتم توظيفها بطريقة مرعبة تمس خرافات الطفولة.
• أخرى تغوص في عالم الغجر والموالد، حيث تمتزج الاحتفالات بالغموض.
• وهناك قصص عن المنسيين والمهمشين، أشخاص لا يراهم أحد، وقد طمسهم المجتمع حتى تحوّلوا إلى مُسوخ.
ما يميز هذه القصص ليس فقط تنوع مصادرها، ولكن الطريقة التي تُسرد بها:
رعب نفسي خالص، قادم من فكرة أو شعور، من وحدة، أو من مواجهة مع المجهول.
تصاعد درامي ذكي
القصص تتصاعد في الظلمة: تبدأ بغرابة بسيطة، وتنتهي عند حافة الهذيان.
ومع كل قصة، تتغير ملامح فتحي، تتغير علاقته بغريب وبمن حوله، ويتحول القارئ نفسه من مستمع مهتم إلى شخص يشعر وكأنه داخل دوامة لا يستطيع الخروج منها.
بين الكوميديا السوداء والرعب الشعبي
رغم أجواء الرعب، الرواية لا تخلو من الضحك، ولكن ضحك بطعم مرّ.
فتحي هو شخصية ساخرة، يطلق تعليقات لاذعة على كل شيء، من زملائه، إلى المجتمع، إلى حتى اللحظات المرعبة التي يمر بها!
عم غريب نفسه شخصية ساخرة رغم جديتها، وأسلوبه في السرد يجعل الحكايات مزيجًا من المتعة والخوف.
هذا الدمج بين الكوميديا والرعب جعل الرواية تجربة مختلفة: لا تخيفك حد التوتر، لكنها تزعجك فكريًا وتجبرك على الابتسام رغم كل شيء.
اللغة والأسلوب
الرواية مكتوبة بلغة عربية فصحى بسيطة وواضحة، مع دمج لحوارات بالعامية المصرية.
ورغم أنني شخصيًا لا أحبذ الحوار العامي كثيرًا في الروايات، إلا أن هنا كانت العامية مناسبة للسياق، وأضافت نَفَسًا مصريًا أصيلًا، خاصة أن أغلب القصص تنبع من الموروث الشعبي.
النهاية.. حيث الغموض يبتلع التفسير
النقطة التي جعلت تقييمي للرواية ٤ من نجوم٥ بدلًا من خمس نجوم كاملة، هي النهاية.
الرواية تبني طوال الوقت إحساسًا بأن هناك "شيئًا ما" سيُكشف في النهاية، مفتاح يربط كل القصص ببعضها، أو يكشف سر غريب، أو حتى يُظهر مصير فتحي بشكل أوضح.
لكن النهاية جاءت غامضة نوعًا ما، تحمل أكثر من تأويل، وتترك الباب مفتوحًا أمام التفسير.
هل هذا سيء؟ ليس بالضرورة.
لكنني شعرت أن لمسة توضيح صغيرة كانت كفيلة بجعل التجربة أكثر إشباعًا، خاصة بعد استثمار القارئ عاطفيًا وفكريًا في كل تلك القصص.
لمن أنصح بها؟
صالون غريب رواية مناسبة جدًا لـ:
• محبي الرعب النفسي.
• المهتمين بالفلكلور والأساطير الشعبية.
• من يبحثون عن تجربة مختلفة ومركبة في رواية قصيرة.
• من يحبون الكوميديا السوداء والتأملات الغرائبية في الحياة.
خلاصة التجربة
قد تبدو الصفحات الأولى بطيئة أو حتى مملة للبعض، مع تفاصيل روتين فتحي اليومي، لكن سرعان ما يتضح أن هذا البطء مقصود، كأن الرواية بتخدعك بهدوء السطح قبل أن تسحبك فجأة في دوامة من الأحداث الغرائبية والكوارث المتتالية.
رواية صالون غريب تقدم تجربة قراءة خفيفة، لكنها مختلفة فعلًا.
هي حكايات متشابكة بطابع شعبي، تسير في خط تصاعدي بين الغرابة والرعب النفسي، وتمزج الكوميديا السوداء بالسخرية من واقع مألوف جدًا ومزعج جدًا.
الجميل في العمل إنه لا يتكلف، ولا يدعي العمق، لكنه يعرف جيدًا ماذا يفعل.
بيقدم "أدب تسلية ذكي" به لمحة إنسانية، وروح فلكلورية، ونَفَس مصري واضح، يجعلك تشعر إنك رأيت أشخاصًا مثل فتحي في يوم ما، أو على الأقل، رأيتهم في المرآة.
هل كانت تستحق الضجة؟
أجل، على الأقل بالنسبة لي.
لأنها صادقة، وبتحقق وعدها:
"أن تقدم لك صالونًا غريبًا، وتجربة أغرب."
بمجرد ما قرأت المقدمة ووصلت للأستاذ فتحي قولت ستوب لحد هنا وقومت سرحت شعري وجيبته على جنب وحطيت كولونيا ٥٥٥ احتراما وتقديرا للكلام ده!☺️
مش عايزة احرق القصة او المقدمة حتى بحمس نفسي اني هروح البيت وهقرأ البوست كله، دي نوعية الروايات اللي بدور عليها من فترة استمرررررررري
وحابة استفسر عن حاجة بما اني ماكملتش قراءة ،الرواية موجودة الكتروني ولا ورقي؟
اعتقد اني استمتعت بتقييمك و ملخصك اكثر ههههههه اذا شفتها بالمكتبة اشتريها ان شاء الله